منذ أشهر طويلة، تحولت ​الأزمة الرئاسية​ في لبنان إلى سجال حول حوار تطالب قوى الثامن من آذار بأن يحصل، قبل الذهاب إلى إنتخاب الرئيس المقبل، لدرجة باتت مهمة الموفدين الدوليين المعنيين بهذا الملف، لا سيما المبعوث الرئاسي الفرنسي ​جان إيف لودريان​، تنحصر، إلى حد بعيد، بكيفية تأمين الوصول إلى ذلك، حيث الخلاف لا يتوقف على هوية من يرأس جلسات الحوار، بل أيضاً على التسمية: حوار أم تشاور أو نقاش.

في هذا السياق، قد يكون من المستغرب أن تصل الأزمة إلى هذا المكان، خصوصاً أن غالبية الإستحقاقات الدستورية، تحديداً بعد العام 2005، لا تتم إلا بحوار يسبقها، سواء كانت متعلقة بإنتخاب رئيس أو تسمية رئيس حكومة مكلف أو تشكيل حكومة جديدة، بغض النظر عن أن الشكل يختلف في كل مرة، وبالتالي لا يمكن تصور أن المشكلة هي في الحوار، على قاعدة أن هذا الأمر يمس بقواعد اللعبة الديمقراطية، بل هي في مكان آخر مختلف.

بالنسبة إلى مصادر سياسية متابعة، لو كان هناك قرار خارجي بالذهاب إلى إنتخاب رئيس للجمهورية أو حتى إلى حوار حول هذا الإستحقاق، ما كانت القوى المحلية لتكون قادرة على رفض هذا الأمر، وبالتالي هي تعتبر أن رفض رئيس حزب "​القوات اللبنانية​" سمير جعجع الحوار، برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لا يمكن أن يكون من دون غطاء خارجي لذلك، أو على الأقل عدم وجود ضغوط تصب في هذا الإتجاه، وتضيف: "هنا النقطة المفصلية في هذا المجال، وليس هناك من أمر آخر يحول دون الذهاب إلى الحوار، حتى ولو لم تكن نتيجته مضمونة".

في المقابل، تشير المصادر نفسها إلى أن تمسك قوى الثامن من آذار بالحوار، الذي يسبق الإنتخابات الرئاسية، لا ينم فقط عن القلق من نتائج الذهاب إلى جلسة إنتخاب يكون الحسم فيها للعبة الديمقراطية، نظراً إلى أن هذه القوى، فيما لو كانت مضطرة إلى ذلك، تستطيع أن تبرم إتفاقاً واسعاً يقود إلى إيصال شخصية مقربة منها، فهي ولو كانت لا تزال تصطدم برفض رئيس "​التيار الوطني الحر​" جبران باسيل لترشيح رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​، إلا أنها قادرة على التفاهم معه على شخصية لا تكون بعيدة عنها، لا بل حتى محسوبة على الفريق نفسه كما فرنجية.

ما تقدم، يقود إلى البحث عن المعادلات الأخرى، التي لا تزال تمنع الذهاب إلى إنتخاب رئيس جديد، أو لإستمرار تمسك كل فريق بمواقفه حتى الساعة، حيث تؤكد أن العقدة الأساس تكمن بأن كل فريق مقتنع بأن الإنتخاب لا يمكن أن يتم إلا بتوافق كبير حول الإسم، نظراً إلى أن كل فريق يملك ورقة النصاب، بالإضافة إلى عدم رغبة أي منهما بالذهاب إلى صدام مع الآخر إنطلاقاً من ذلك، لأن ذلك سيعني عدم قدرة المنتخب على العمل طوال سنوات ولايته.

بناء على ذلك، تشدد المصادر السياسية المتابعة على أن الرئيس المقبل، سينتخب بتوافق حوله بين غالبية الأفرقاء، لكنها تشير إلى أن اللحظة المناسبة لهذا الإنتخاب لم تحن بعد، نظراً إلى أن الأمر لا يتوقف على رغبة الأفرقاء المحليين فقط، بل هو من المفترض أن يكون نتيجة تسوية أكبر على مستوى المنطقة، لا يمكن أن تكون قبل وضوح الصورة التي ستكون عليها بعد التداعيات التي تركها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجنوب لبنان، أما في الوقت الضائع فتستطيع القوى اللبنانية أن تتبادل الإتهامات المختلفة فيما بينها.

على هامش هذا السجال، ترى المصادر نفسها أن هناك بعض النقاط التي تستحق التوقف عندها، بالنسبة إلى مواقف بعض القوى المحلية، حيث تشير إلى أن رئيس حزب "القوات" يريد أن يكرس معادلة أنه مقرر أساس في إختيار رئيس الجمهورية، على قاعدة أن تفاهمه مع "التيار الوطني الحر" هو الذي قاد إلى إنتخاب الرئيس السابق ​ميشال عون​ في العام 2016، في حين أن رئيس المجلس النيابي يخوض معركة الحفاظ على دوره على المستوى السياسي، في ظل الشعور بأن هناك رغبة في الإنتقاص منه، بدأت مباشرة بعد الإنتخابات النيابية الماضية، سواء كان ذلك في طريقة إنتخابه أو في كيفية التعامل مع المبادرات التي يتقدم بها.

في المحصلة، تؤكد هذه المصادر أن الأزمة هي أزمة رئاسة، تتعلق بالمعادلات التي ستكون حاضرة في السنوات التي تلي إنتخاب الرئيس المقبل، لا أزمة حوار بين الأفرقاء اللبنانيين، وتشير إلى أن الوجه الخارجي هو الغالب لا الداخلي، على عكس ما يحاول البعض الإيحاء، وتضيف: "عندما يحين موعد التسوية، أي عندما تتوفر الظروف الخارجية المناسبة لها، لن تكون القوى المحلية قادرة على العرقلة، بل ستبحث في كيفية تقديم التبريرات لتراجعها عن مواقفها، بشكل لا يظهرها في موقع المهزوم، وستطرح ذلك من منطلق الحرص على المصلحة الوطنية".